المذيع: فضيلة الشيخ! كيف نتلافى هذه الظاهرة حتى نعصم أنفسنا ومجتمعاتنا؟ ولكن لعلك قبل أن تجيبنا عن هذا السؤال نقف مع فاصل قصير...
المذيع: أهلاً بكم مرة أخرى أيها الإخوة الكرام، ونستأنف حوارنا وحديثنا مع فضيلة الدكتور
سفر بن عبد الرحمن الحوالي .
فضيلة الشيخ! كنا قد توقفنا قبل الفاصل عن الحديث عن العواصم التي تعصمنا وتنجينا من الوقوع في ظاهرة التكفير وغيرها من ظواهر الغلو.
الشيخ: العصمة أو طريق النجاة كي لا نقع في أي شيء تكون بتلافي أسباب الوقوع فيه، برغم أسبابه التي تؤدي إليه، ويجب على الأمة جميعاً الحكام والعلماء والمربين والآباء أن يتقوا الله تبارك وتعالى، وأن يجعلوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصب أعينهم في كل أمر من الأمور، فإذا لم يجد هذا الغالي أو المبتدع ثغرة لأن يكفر منها فلن يكفر إلا الحالات الشاذة، ولا شك أن الحالات الشاذة تقع، لكن هناك فرق كبير بين حالة شاذة وحالة ظاهرة تستند إلى وقائع موجودة، والملاحظ الآن في حال العالم الإسلامي أن هناك ظاهرة منتشرة، فأكثر حكومات العالم الإسلامي قد نحت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم جانباً، وجاءت بقوانين وضعية وبشرائع أرضية منافية كل المنافاة لما أنزل الله تعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعطلت الحدود، وتعاملت في المعاملات بغير ما أنزل الله، وأخمدت نور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمناهج التعليمية والإعلامية والاقتصادية تقوم على أسس وفلسفات ونظريات غريبة جداً عن الإسلام.
فمثل هذا الواقع المؤلم المظلم يجب أن يُتلافى، يجب أن ندعو جميعاً إلى تغييره، فالحكام بقدر ما يستطيعون، والعلماء بقدر ما يستطيعون، والدعاة بقدر ما يستطيعون، نرجع إلى الله تبارك وتعالى، وإلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الشاب الذي ينشأ ويرى مظاهر الضلال والانحراف والانحلال، والمنكرات تتفشى في كل مكان - لا يطيق ولا يتحمل أن تقول له: ومع ذلك فلا نكفر إلا بضوابط، هو أقرب شيء لنفسيته وحماسه أن يجزم بالتكفير مطلقاً، ويرى أن ذلك من الانتصار لدين الله، ومن القيام بالحق، ومن الصدع به، وأنك مداهن إن لم تقل ذلك، وهو كما يريد. فلا شك أن هذه مشكلة خطيرة جداً.
ثم نعمد إلى هذا الذي يقول ذلك ويكفر في غير موضع التكفير، ونقول: لا أحد ينتهج هذا المنهج إلا بشبهة، فيجب أن تكشف الشبهة وتزال وأن يناقش، بينما الاعتماد على منهج الحديد والنار والسجن والضرب والقتل هو الذي يولدها ويفجرها، والدول العربية التي سبقتنا إلى ذلك أول من أدخل السجون كانت ملاحظاتهم قد لا تصل إلى التكفير، إنما انحرافات وأخطاء ومطالبة بحقوق وكذا.. فخرجوا من السجون يكفرون، ثم حصل الغلو في التكفير، فحصل أن كفروا حتى الدعاة الذين معهم الذين لم يكفروا تلك الحكومات.
إذاً: هناك أسباب نفسه واجتماعية، وأسباب كثيرة جداً تدفع إلى هذا علينا أن نتلافاها، فإن لم يبق إلا الظاهرة الشاذة وهو ما طُبعت عليه بعض النفوس وجبلت عليه من الانحراف والغلو كما جُبل
الخوارج وغيرهم، فنقول: هذه المشكلة تحجّم ونجعلها في قدرها، ومع ذلك استمرارنا في تعليم الأمة وتربيتها على المنهج الوسط وعلى السنة والجماعة، والعدل، والتحذير من هذه الضلالات والفرق، ونشر العلم الشرعي - كل ذلك يؤدي إلى علاج هذه الظاهرة، وحتى
الخوارج يُناظرون، فقد ناظرهم
ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وأيضاً
علي رضي الله تعالى عنه ناظرهم وخطب في المسجد أمامهم، فإن لم ينتهوا رجع منهم عدد كبير، وهذا أيضاً مكسب.
ولاحظ أن
علياً رضي الله تعالى عنه سن منهجاً عظيماً، ولماذا أمرنا بالاقتداء بالخلفاء الراشدين؟ النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، فـ
أبو بكر تعلمنا منه قتال المرتدين، و
عمر رضي الله تعالى عنه تعلمنا منه كيف تفتح فارس والروم وقتال الأعداء، و
عثمان رضي الله تعالى عنه تعلمنا منه إذا ثارت ثورة أو فتنة كيف يصبر ويقدم دمه ولا تقتل الأمة من أجله، وإلا فقد جاءه الصحابة كي يقاتلوا الثوار فرفض، و
علي رضي الله تعالى عنه تعلمنا منه قتال أهل القبلة، قتال أهل البغي، وهذه أنواع وأحكام يجب أن تعرف وتفصل.
المقصود أن
علياً رضي الله تعالى عنه قال في الخطبة على المنبر
للخوارج عندما قالوا: لا حكم إلا لله، قال: [[
إن لكم علينا ثلاثاً: ألا نمنعكم مساجد الله، وألا نمنعكم حقكم من الفيء ...]] وهي الوظائف والرواتب.. إذا فصلتَ من عمله من كان عنده عقيدة كذا، أو بُلّغت أنه خطب جمعة فما أعجبتك الخطبة، أو ألف كتاباً وما أعجبك ففصلته، فهذا ظلم وحيف، وهذه مسألة أخرى، فكشف الشبهة مسألة وما يستحقه هو وأبناؤه وأسرته من بيت المال لا علاقة له بذلك.
إذاً حقك من الفيء لا تحرمه، والثالثة: [[
ألا نبدأكم بالقتال]] فلذلك ما بُدئوا بالقتال، ولكن نوظروا وكشفت الشبهة ثم قوتلوا، وهذا منهج عظيم سنه
علي رضي الله تعالى عنه.
وعموماً الأحكام بين أهل القبلة والقتال الذي يقع بينهم له تفصيل ينبغي أن يعلم حقيقة.
المذيع: فضيلة الشيخ! حديثك الآن في قضية الخطيب إذا أُوقف أخشى أن تُفهمَ خطأ، فإن ولي الأمر والعالم ونحو ذلك ممن ولي هذا الموضوع يجب عليه أيضاً أن يتقي الله سبحانه وتعالى فيما يُطرح للمسلمين، وأن يراقب الكلمات التي تقال للناس حتى يكون الدين الذي يصل إلى الناس مبنياً على وقائع وحقائق، فهل تؤيدني في ذلك؟
الشيخ: ليس هذا قصدي وفقك الله، أنا أقول: الخطيب الذي لا يستحق أن يكون خطيباً لا يوضع خطيباً، وإن وضع ووجد أنه لا يستحق أن يكون خطيباً، كأن قصر، فهذا يعزل ولا حرج في ذلك، ورزقه على الله، ولكن نحن نتكلم عليك أنت كمدرس في الجامعة وخطبت في المسجد، أو قلت كلمة، أو وعظت أو نصحت بما لا يوافق رغبة الحكومة ففصلت من عملك، هذا مخالف لسنة الخلفاء الراشدين.
بمعنى آخر: أنت وأولادك من حقكم أن تعيشوا وتأخذوا من بيت المال، ولا علاقة له -لا قدر الله- بأن تسجن أو تقتل أو حتى تجلد، فالأحكام الشرعية تنفذ، لكن حق بيت المال باقي.